تحيي الأمم المتحدة يوم اللغة العربية في 18 كانون الأول/ديسمبر من كل عام وذلك تزامنا مع اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة قرار إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الأمم المتحدة ولجانها الرئيسية.
وهذا القرار لم يأت من فراغ، إذ أدركت الجمعية العامة ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، كما أدركت أيضا أن اللغة العربية هي لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأمم المتحدة وقت اعتماد القرار، ووضعت في الاعتبار أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية لمنطقة ثقافية مهمة في العالم، وهي إحدى اللغات الثقافية للعديد من الشعوب في آسيا وأفريقيا.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، "تُعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة".
تعريف الخط العربي
وكانت الكتابة ولا زالت سجلا للحضارة الإنسانية تجلى فيها تاريخها وتطورها. وفي ثنايا هذه الملحمة الإنسانية نشأ الخط العربي ليتطور ويبلغ مبلغا من الجمال حاملا معه حضارة تركت معالمها على أطراف الصين وحتى غرب أفريقيا.
وقال ابن خلدون في مقدّمته عن الخط: "إنّه صناعةٌ شريفة يتميّز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدّى الأغراض؛ لأنّها المرتبة الثّانية من الدلالة اللغويّة".
ويُعرف الخط العربي على أنّه فن وتصميم عملية الكتابة في جميع اللغات التي تستخدم الحروف العربية. وتمتاز الكتابة العربية بكونها متصلة. الأمر الذي يجعل منها عملية قابلة لاكتساب العديد من الأشكال الهندسية. ويكون ذلك من خلال الرجع، والمد، والتشابك، والتزوية، والاستدارة، والتركيب، والتداخل.
ويقترن فن الخط بالزخرفة العربية، إذ يُستخدم لتزيين القصور والمساجد، كما يستخدم في تحلية الكتب والمخطوطات، وتحديداً لنسخ آيات القرآن الكريم.
مراحل تطور الخط العربي
وقد انحدر إلينا فن الخط العربي بحلته الرائعة والبهية التي اكتسبها بمرور الوقت منذ زمن الخلافة والإمبراطوريات الإسلامية، ليعيش بيننا اليوم رافعاً رأسه مكتسياً حللاً جديدة يعود الفضل فيها إلى عدد من الفنانين الذين يستخدمونه كوسيلة للتعبير الشعري المتضمن بقوة في الصورة.
ومتحدثا في هذا الحوار عن التنوع في الخط العربي، ذكر لنا المهندس السعودي فواز المحرج مراحل تطور الخط العربي قائلا إنه "تطور ومرّ بمراحل كثيرة بعد نزول القرآن الكريم، وتطور في عصر الخلفاء الراشدين ثم العصر العباسي والعصر الأندلسي والعصر العثماني حتى العصر الحديث".
وما قبل الإسلام كان الخط العربي فنا من الفنون وصل إلينا عبارة عن خطوط كوفية. ويعود انتقال الكتابات القديمة لمرحلة الحرف إلى الدولة الفينيقية منذ أكثر من ثلاثين قرنا. وبعدها تفرعت الحروف الفينيقية إلى أربعة أفرع: العبرية، والآرامية، والحميرية، واليونانية.
وقد دوِّن القرآن الكريم على خط الجزم وسمي بالخط المكي. وقد عرف العرب في بداية الإسلام نوعين من الخطوط هما:
الخط الحجازي والذي كان يسمى بالخط الدارج؛ والخط الكوفي والذي يعد أساس الخطوط العربية كلها، وقد ظهر في منطقة الكوفة، ويقوم على أساس الخطوط المستقيمة القاسية.
وفي العصر الأموي تطور الخط العربي تطورا نوعيا، حيث نشأت الحركات الإعرابية وتم وضع النقاط على الحروف لتمييز الحروف المتشابهة.
وفي العصر العباسي تابع الخط العربي تطوره متفرعا إلى أحد عشر نوعاً وهي: الديباج، والسجلات، والزنبور، والجليل، والعهود، والاسطوحار، والخرفاج، والمدمرات، والقصص، والسجلات، والمفتح.
وفي عصر الأندلس، استعمِل الخط الشامي إلى جانب الخط القيرواني في نسخ المصاحف. وقد طور الأندلسيون الخط القيرواني مدخلين عليه ليونة جديدة.
واستمر هذا الخط بالنمو والازدهار في العصور التالية: الفاطمي والمماليك والعثماني. كما شهد تطورا في إيران حيث أبدع الفنانون الإيرانيون في الفن التصويري لمضامين المخطوطات الفارسية والعربية.
أما في العصر الحديث، فابتدع الفنانون العرب أنماطا وخطوطا هجينة، بما فيها خط التاج الذي أنشأه الخطاط المصري محمد محفوظ، الخبير الفني بالمحاكم في عهد الملك فؤاد، وسميت بحروف التاج لأن الفكرة كانت فكرة صاحب التاج ملك مصر الأسبق فؤاد. وهو عبارة عن الإشارة كأنها لام ألف مقلوبة مقوسة وموضعها فوق رأس الحرف على غرار الحروف "الكابيتال" في اللغة الإنجليزية، وذلك ليهتدي القارئ لما ترمي إليه الجمل أو الكلمات، وقد رجح استعمالها في حروف خط النسخ لأنها أجمل وقعا عليه من سائر الخطوط الأخرى.
أصول الخط العربي
أستاذ القانون والخطاط العراقي غني العاني، أحد الحائزين على جائزة اليونسكو-الشارقة للثقافة العربية 2009، قال في حوار مع اليونسكو إن "الخط نهر يحمل روافد الفنون إلى البحر المحيط".
وعن أصول الخط الشكلية يقول غني العاني: "يرجع الخط إلى أصلين لا ثالث لهما: المستقيم والدائر. إن هاتين الصفتين متواجدتان في كل كتابات العالم، عبر كل العصور. منذ الكتابات التصويرية فالكتابات "الفكرية" وثم "الصوتية"، أي الأبجدية التي بنيت الكتابة المسمارية على شكلها أي على الشكل الأبجدي أو شكل المقاطع الصوتية. منذ اختراع الكتابة المسمارية كانت الخطوط بنوعي المستقيم والدائر. ولنا في كتابات وادي الرافدين شواهد وأمثلة كثيرة على ذلك. وعلى رأسها نص تشريع حمورابي، الذي تتميز حروفه باستقامتها خلافا لما كان يستعمله الناس فيما بينهم آنذاك".
أهم أنواع الخط العربي
هناك خطوط عربية متعددة، أبرزها:
الخطّ الكوفي الذي ظهر في الكوفة. والكوفي هو الخط الّذي يميل إلى التّربيع والهندسة.
الخط الموزون وقد ظهر في الشام بعد تعريب الدواوين في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
الخط المنسوب وهو الخطّ الموزون، له نسبٌ قياسيّة خاصّة، وعدد أقلامها 24. وتمّ تشكيل 6 أنواع من الخطوط هي: الثلث، والرّيحان، والتّوقيع، والمحقَّق، والبديع، والرّقاع على يد الوزير أبو علي محمّد بن مُقْلة، ثم أخوه أبو عبد الله الحسن.
خط الرّقعة هو خط عربي ليس بالصعب يتميز بجماله وقوته في وقت واحد والسرعة عند كتابته، وهو منتشر في جميع الدول العربية واستخداماته قليلة لكن كثيرة في الآيات القرآنية.
خطّ النّسخ وأوجد أساسيّاته الوزير ابن مقلة، سمّي بالنّسخ لأنّه يستخدم كثيراً في نسخ الوثائق والكتب ونقل ما تحويه؛ لسهولة رسمه، ولوضوح أحرفه وكبرها، ولجمال منظرها.
خطّ الثّلث يمتاز هذا الخط بالمرونة، وبتشكّل أنواع وأشكال الحروف فيه، ويمكن كتابة جملة واحدة عدّة مرّات بأشكالٍ مختلفة. ويقلّ هذا النّوع في القرآن، ويستخدم في كتابة العناوين، ويعدّ رسم هذا الخطّ صعباً.
الخطّ الفارسي ومن صفات هذا الخطّ الزخرفة الموجودة فيه، والليونة، والرّشاقة، والأحرف الدائريّة، والانحناءات، والالتفاتات.
الخطّ الديواني وهو الخطّ الرّسمي في كتابة الدّواوين، ويكتب هذا الخطّ على سطرٍ واحدٍ بمرونة عالية.