مرض داء المشوكات البشري هو مرض حيواني المصدر (أي ينتقل إلى الإنسان من الحيوان) تتسبب به طفيليات هي شريطيات من جنس المشوكات.
ومن حيث الأهمية الطبية والصحية والعمومية فإن أبرز شكلين لهذا الداء هما داء المشوكات الكيسي وداء المشوكات السنخي.
بداية العدوى
يعمل عدد من الحيوانات العاشبة والقارضة كمضيفة وسيطة للشريطية المشوكة. ويعني ذلك أنها تصاب بالعدوى عبر ابتلاع بيوض الطفيليات في الأرض الملوثة وأن المراحل اليرقية الطفيلية تنقضي في أحشائها.
وتعتبر الحيوانات اللاحمة مضيفة نهائية للطفيلية، وهي تصاب بها عبر التهام أحشاء الحيوانات المضيفة الوسيطة التي تأوي الطفيلية وكذلك من خلال اقتيات الجثث المصابة.
ويعتبر الإنسان مضيفاً وسيطاً عرضياً وهو غير قادر على نقل المرض.
ويتواصل داء المشوكات الكيسي أساساً من خلال دورة كلب-خروف-كلب، على أن العديد من الحيوانات الأليفة الأخرى قد تنخرط في ذلك، بما فيها الماعز، والخنازير، والجياد، والأبقار، والإبل، والياك.
ويحدث داء المشوكات السنخي عادة ضمن دورة حيوانات برية بين الثعالب، والحيوانات اللاحمة الأخرى، والثدييات الصغيرة (ومعظمها من القوارض). كما يمكن أن تصاب به الكلاب والقطط الأليفة.
العلامات والأعراض
تؤدي العدوى البشرية بطفيلية E. granulosusإلى نشوء كيسة عدارية أو أكثر تتركز أساساً في الكبد والرئتين، وبصورة أقل في العظام، والكلى، والطحال، والعضلات، والنظام العصبي المركزي، والعيون.
ويمكن أن تستمر فترة الحضانة عديمة الأعراض لسنوات عديدة إلى أن تنمو الكيسات العدارية إلى حد يطلق علامات سريرية. وتشمل العلامات غير المحددة فقد الشهية، وانخفاض الوزن، والضعف. وتعتمد العلامات الأخرى على موضع الكيسة (الكيسات) العدارية والضغط الواقع على الأنسجة المحيطة.
وغالباً ما تظهر علامات الألم البطني، والغثيان، والقيء عندما تتركز الكيسات العدارية في الكبد. وفي حالة إصابة الرئتين فإن العلامات السريرية تشمل السعال المزمن، والألم الصدري، وضيق النفس.
ويتسم داء المشوكات السنخي بفترة حضانة عديمة الأعراض تتراوح بين 5 سنوات إلى 15 سنة وبنمو بطيء لآفة أولية شبيهة بالورم تتركز عادة في الكبد. وتشمل العلامات السريرية انخفاض الوزن، والألم البطني، والتوعك العام، وعلامات على الفشل الكبدي.
وقد تنتشر النقائل اليرقية إلى الأعضاء المجاورة للكبد (مثل الطحال) أو إلى مواقع بعيدة (الرئتان والدماغ) في أعقاب انتشار الطفيلية عبر الدم والنظام الليمفاوي. وفي حال عدم معالجة داء المشوكات السنخي فإنه يترقى ويكون قاتلا.
التوزع
يتوزع داء المشوكات الكيسي على المستوى العالمي ويظهر في كل قارة ما عدا القارة القطبية الجنوبية. وينحصر داء المشوكات السنخي في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ولاسيما في مناطق من الصين، والاتحاد الروسي، وبعض بلدان أوروبا القارية وشمال أمريكا.
وفي المناطق المتوطنة يمكن أن تصل معدلات الانتشار البشري لداء المشوكات الكيسي إلى أكثر من 50 لكل 000 100 شخص سنوياً، بل أن مستويات الانتشار قد ترتفع لتتراوح بين 5 و10٪ في بعض أنحاء الأرجنتين، وبيرو، وشرق أفريقيا، وآسيا الوسطى، والصين. وبالنسبة للماشية فإن معدل انتشار داء المشوكات الكيسي في مسالخ المناطق ذات التوطن المفرط في أمريكا الجنوبية يتراوح بين 20 إلى 95 في المائة من الحيوانات المذبوحة.
وتصل معدلات الانتشار إلى ذروتها في المناطق الريفية حيث يتم ذبح الحيوانات المسنة. وتبعاً للأنواع المصابة المعنية فإن خسائر إنتاج الماشية العائدة إلى داء المشوكات الكيسي ترجع إلى تلف الكبد، وانخفاض وزن الذبائح، وهبوط قيمة الجلود، وخفض إنتاج الألبان، وانخفاض الخصوبة.
التشخيص
إن تخطيط الصدى هو الطريقة المفضلة للتصوير لتشخيص داء المشوكات الكيسي والسنخي على حد سواء. وعادة ما تُستكمل هذه التقنية أو يجري التثبت منها بمسوح التصوير المقطعي المحوسب (CT) و/أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
وفي بعض الأحيان يتم الكشف عن الكيسات بصورة عرضية أثناء التصوير بالأشعة السينية.
العلاج
تعتبر معالجة داء المشوكات الكيسي والسنخي على حد سواء مكلفة ومعقدة في الغالب، وتتطلب أحياناً جراحة واسعة و/أو علاجاً مطولاً بالأدوية.
وهناك أربعة خيارات متاحة لعلاج داء المشوكات الكيسي:
العلاج من خلال الجلد للكيسات العدارية بتقنية PAIR (الوخز، والشفط، والحقن، وإعادة الشفط.
الجراحة.
العلاج الدوائي المضاد للعدوى.
"المراقبة والانتظار.
وينبغي أن يعتمد الاختيار في المقام الأول على الصور الفائقة الصوت للكيسة، في أعقاب نهج خاص بكل مرحلة، وكذلك على البنى التحتية الطبية والموارد البشرية المتاحة.
أما بالنسبة لداء المشوكات السنخي فإن العناصر الأساسية ما تزال هي التشخيص المكبر والجراحة الجذرية (للآفات الشبيهة بالورم) ثم الاتقاء المضاد للعدوى بالألبيندازول. وإذا ما كانت الآفة محصورة فإن الجراحة الجذرية توفر الشفاء. ولسوء الحظ فإن تشخيص المرض بالنسبة للعديد من المرضى يتم عند وصوله إلى مرحلة متقدمة، وكثيراً ما تُسفر الجراحة المُلطِّفة مع أو بدون علاج ناقص مضاد للعدوى عن انتكاسات.
العبء الصحي والاقتصادي
يشكل داء المشوكات الكيسي والسنخي على حد سواء عبئاً مرضياً ضخما. وعلى المستوى العالمي فقد يكون هناك ما يزيد عن مليون مصاب بهذين المرضين في أي وقت من الأوقات. ويعاني الكثير من هؤلاء متلازمات سريرية وخيمة تهدد الأرواح ما لم تتم معالجتها. وحتى عند تنفيذ العلاج فإن الناس يواجهون في الغالب تدهوراً في نوعية حياتهم.
وفيما يتعلق بداء المشوكات الكيسي فإن متوسط معدل الوفيات في صفوف المرضى الذين يخضعون للجراحة يبلغ 2.2 في المائة، في حين تصل نسبة انتكاس الحالات إلى نحو 6.5 في المائة بعد العمليات الجراحية التي تتطلب وقتاً طويلاً للتعافي. وتشير التقديرات الحالية إلى أن داء المشوكات الكيسي يسفر عن فقد ما لا يقل عن مليون سنة من سنوات العمر المصححة باحتساب مدة العجز كل سنة وربما يصل هذا الرقم إلى ثلاثة ملايين سنة.
وطبقاً للتقديرات فإن التكاليف السنوية المتعلقة بداء المشوكات الكيسي تبلغ ثلاثة مليارات دولار أمريكي كنفقات لعلاج الحالات وخسائر في قطاع الثروة الحيوانية.
ويؤدي داء المشوكات السنخي إلى خسائر تبلغ نحو 000 650 سنة من سنوات العمر المصححة باحتساب مدة العجز سنوياً، مع تركز معظم العبء المرضي في غرب الصين.
الترصد والوقاية والمكافحة
من الصعب ترصد داء المشوكات الكيسي في الحيوانات لأن العدوى عديمة الأعراض في الماشية والكلاب. كما أن الترصد لا يحظى بالإقرار أو بالأولوية من جانب المجتمعات المحلية أو الخدمات البيطرية المحلية.
ويعتبر داء المشوكات الكيسي مرضاً قابلاً للوقاية منه حيث أنه يشمل أنواع الحيوانات الأليفة كمضيف نهائي ووسيط. وقد تبين أن إخضاع الكلاب لتدابير طرد الديدان، وتحسين النظافة الصحية في مسالخ الماشية (بما في ذلك الإتلاف المناسب للأحشاء المصابة)، وحملات التثقيف العامة تؤدي إلى خفض السراية، بل وإلى الوقاية منها في البلدان ذات الدخل المرتفع، وتخفيف عبء المرض البشري.
ويوفر تطعيم الخراف بالمستضد المأشوب لطفيلية E. granulosus آفاقاً مشجعة للوقاية والمكافحة. وتشير اختيارات اللقاح EG95 التي أُجريت على نطاق صغير على الخراف إلى درجة عالية من النجاعة والمأمونية حيث لم تُصب الحملان المطعَّمة بطفيلية E. granulosus.
ويمكن أن يؤدي برنامج يشتمل على تطعيم الحملان، وإخضاع الكلاب لتدابير طرد الديدان، والقضاء على الخراف المسنة، إلى استئصال داء المشوكات الكيسي لدى الإنسان في فترة تقل عن عشر سنوات.
وتعتبر الوقاية من داء المشوكات السنخي ومكافحته أمراً أشد تعقيداً إذا أن الدورة تشمل أنواع الحيوانات البرية كمضيف نهائي ووسيط على حد سواء. ويمكن أن تساعد تدابير طرد الديدان في صفوف الحيوانات اللاحمة الأليفة ذات الاحتكاك بالقوارض البرية إلى الحد من خطر العدوى في صفوف البشر.
ويمكن تطبيق إجراءات للقضاء على الثعالب والكلاب الجوالة غير المملوكة ولكن ذلك على ما يبدو غير فعال للغاية. وأدت تدابير طرد الديدان للحيوانات المضيفة النهائية البرية والشاردة باستخدام الطعوم الطاردة للديدان إلى انخفاض كبير في معدلات انتشار داء المشوكات السنخي وفقاً للدراسات الأوروبية واليابانية. على أن الجدل يحيط بمدى استدامة مثل هذه الحملات وبفعاليتها من حيث التكاليف.