.. the life is Nice ..
 

أزمة لبنان تمتد للدورة الشهرية والنساء في أزمة

 
لم تستثن الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يعيشها اللبنانيون النساء اللاتي وصل بهن الأمر إلى استبدال الفوط الصحية بالحفاظات أو قطع القماش أثناء دورتهن الشهرية، وسط انهيار القدرة الشرائية في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر. ومع خسارة الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، ارتفعت أسعار السلع على أنواعها بشكل هائل، وانقطعت أخرى من الأسواق، بينها أدوية مزمنة وحليب الأطفال.
وتقول شيرين البالغة 28 عاما لوكالة الأنباء الفرنسية "بت أفضل أن تنقطع عني الدورة الشهرية جراء الغلاء والانفعال الناتج عن معاناتي من عدم قدرتي على شراء" حتى الفوط الصحية.
مع بدء ارتفاع الأسعار قبل أشهر، لجأت شيرين إلى شراء أنواع من الفوط الصحية ثمنها بخس نسبيا ومن علامات تجارية غير معروفة، تسببت لها بالحساسية. لكنها لم تعد قادرة اليوم على توفير ثمنها. وتوضح "بداية، شعرت بالقهر لكني فضلت ابنتي، أفضل أن أشتري لها الحليب، أما أنا فأتحمل".
لم تفكر شيرين يوما أنها ستضطر إلى مشاركة رضيعتها الحفاظات، التي تحصل عليها أساسا عبر المساعدات.
تدمع عيناها، قبل أن تستطرد "أستعمل حاليا المناشف وقطع القماش، أقص الحفاظ لأستخدمه مرتين خصوصا أثناء مغادرتي" المنزل. وتتحدث بخفر عن ارتباكها إذ لم تتمكن بداية من التصرف على طبيعتها. وتقول "كان علي أن أتفقد ما إذا نفذ شيئا إلى البنطال".
على وقع تدهور قدرتها الشرائية، شأنها في ذلك شأن الشريحة الأكبر من اللبنانيين، باتت تستغني عن شراء مسكنات اعتادت استخدامها لتهدئة الألم في أول يوم من دورتها الشهرية، في محاولة لادخار المال "في حال احتاجت ابنتي شيئاً".
وجراء الانهيار الاقتصادي المتسارع منذ صيف العام 2019، بات 55 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ومع خسارة الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، ارتفعت أسعار السلع على أنواعها بشكل هائل، وانقطعت أخرى من الأسواق، بينها أدوية مزمنة وحليب الأطفال.
 كغيرها من السلع، ارتفعت أسعار الفوط الصحية تدريجا بحوالي 500 في المئة في الفترة الأخيرة. ويراوح سعر بعض أنواعها اليوم بين 13 و34 ألفاً، مقارنة مع ثلاثة آلاف في السابق.
"المصروف أو الفوط؟"
  لم تكن الفوط الصحية يوما بين السلع المدعومة من قبل السلطات التي بدأت قبل فترة وبشكل تدريجي رفع الدعم عن سلع عدة، آخرها المحروقات وحتى السكر والبن واللحوم.
   في محل "ثياب العيد" في بيروت، المخصص أساسا لتوزيع ثياب مستعملة مجانا على العائلات المحتاجة، حضرت قبل أيام سيدة تشكو لازدهار، الموظفة في المحل، معاناتها المتجددة في توفير الفوط الصحية لبناتها الثلاث.
تروي ازدهار لوكالة الأنباء الفرنسية كيف أنصتت بتمعن وتأثر لما قالته السيدة، إذ أن كلامها ينطبق تماماً على واقع تعيشه بنفسها مع بناتها الثلاث (12 و13 و14 عاماً).
وتقول "لم أعد قادرة على شراء الفوط الصحية، أحيانا أشتري لهن حفاظات حديثي الولادة من المحل".
وتضيف "ابنتي الصغيرة بدأت الدورة الشهرية معها حديثا، تقول لي باستمرار: لا أعرف كيف أستعملها (قطع القماش والحفاظات)، أرتبك جدا"، موضحة "بات الأمر يؤثر عليها نفسياً حتى أنها لم تعد تخرج من المنزل خلال فترة الدورة الشهرية".
لا تعلم ازدهار، التي تتحدث عن طلب متزايد من نساء يسألن عن الفوط الصحية والقماش، ما سيكون الوضع عليه في الفترة المقبلة مع الانهيار المتمادي. تشعر أنها مكبلة اليدين، وتسأل بحرقة "هل أعطيهن مصروفا... أم أشتري لهن الفوط الصحية؟".
اللاجئون في رحى الأزمة
اعتادت مبادرة "دورتي" لمحاربة "فقر الدورة الشهرية"، وفق ما تشرح لين تابت مصري، توزيع سلال نسائية تضم فوطاً صحية على النساء الأكثر حاجة لكن مؤخرا " باتت نساء من الطبقة الوسطى بحاجة إليها أيضا، على غرار موظفة في مصرف لم يعد راتبها بالليرة يكفيها".
وتقول تابت "نعجز عن تلبية كل الطلبات على الفوط الصحية، رغم ازديادها، لتراجع التبرعات بشكل كبير"، موضحة "في السابق، اعتادت عائلات وطلاب على التبرع لنا بفوط صحية ولو بكميات صغيرة، لكن كثرا الآن باتوا عاجزين حتى عن التبرع".
في مخيم شاتيلا في بيروت، تدرب منظمة "أيام من أجل البنات" الدولية (دايز فور غيرلز) لاجئات فلسطينيات نزحن من سوريا خلال سنوات الحرب الأولى على خياطة فوط صحية مصنوعة من قطع قماش ملونة يفصل بينها النايلون منعا لحصول تسربات.
فور الانتهاء من التدريب، ستعد اللاجئات تلك الفوط لتوزع لاحقاً في المناطق الأكثر فقراً كعكار شمالاً ومخيمات النازحين السوريين.
وعلى وقع الأزمة الاقتصادية، التي لم تتوقعها في بلد لجأت إليه بحثا عن الأمان، فضلت ريما علي (45 عاماً) استخدام فوط القماش، التي تتدرب على خياطتها، بعدما عانت الأمرين مع المناشف القديمة لعدم تمكنها من شراء الفوط الصحية.
وتقول الوالدة لثلاثة صبيان وثلاث بنات عمر أصغرهن 12 عاما، "قبل الغلاء، كنا نستهلك ست علب على الأقل، لكن حين ارتفع سعر الصرف، بات الأمر يُشكل عبئا علي".
وأعادت الأزمة إلى ذهن ريما ذكريات حرب فرّت منها قبل نحو تسع سنوات.
وتقول "مرت علينا ظروف صعبة في سوريا، وأيام لم نستطع فيها شراء الخبز، كنا نقطع الثياب القديمة ونستخدمها" بدل الفوط الصحية.  وتضيف "لم أتوقع أن يعاد المسلسل ذاته اليوم".

شارك مع الاصدقاء